وطنى
صارت علكة فى فم القاصى والدانى .. تلك العبارة الرنانة الجوفاء التى تحتمل كثرة المعانى وكثرة الصور .. فوطن تعنى المهد وارض
الميلاد .. الاهل والاصدقاء والاحباب ,, الذكريات والمعانى والاحلام .. الوطن ارض نعيش فيه ويعيش فينا نولد فيه ولا يموت بداخلنا
اما مفهوم الوطن حاليا .. فصار ضائعا ومستهلكا ومستعبدا ,, صار مثل الشعارات الرنانة للثورات المتعاقبة والحقب المتعاقبة
فالوطن فى الخمسينات هو الاستقلال التام او الموت الزؤام .. وفى الستينات قلنا هانبنى وادى احنا بنينا السد العالى .. اما فى السبعينات فهو الحرب والنصر او الشهادة .. وجائت ثمانينيات القرن الماضى ليصير الوطن معلبا فى صفائح الانفتاح ومهملا قيمه مع علب البلوبيف القديمة الملقاة بالقمامة .. وفى التسعينات صار الوطن هو الاستقرار والامن والامن وملعونة تلك الرفاهية لاولاد الحقراء من الشعب ان كان اولاد ذواتهم يعيشون فى امان ويسبحون فى بحار من الكافيار والفيلات
وجائت الالفية الجديدة لتصبح الوطنية شجع مصر .. ارفع راسك فوق انت مصرى ومصر تكسب الجزائر تسعين صفر
صار العلم بالمدرجات والوجوه تلون للتشجيع والرياضة للجميع
ارفع ارسك فوق انت مصرى
والعب يا ابو تريكة
وارقص يا حضرى
وافرح يا مصرى
افرح فانت من شعر رأسك لاخمص قدميك صنعت فى الصين
قميصك وبنطولنك وشرابك وحذائك والجيل فى رأسك صينى
هاتفك المحمول وكارت الذاكرة الذى بداخله صينى
انت افراز لمستهلك يعيل عائلة صينية فى كل مظاهر حياته وهو يصلى سجادته صنعت فى الصين
وهو يصوم فانوسه صنع فى الصين
وهو يلهو جيله وحذائه وملابسه وهدية الفلانتين صنعت فى الصين
والوطن غالى فى قلوبنا
نكتب اسمه على وجوهنا فى طريقنا الى الاستاد ونحمل علمه ونحن نتفوه بكل الالفاظ البذيئة الممكنة واصفين بها منفسنا الكروى الذى تجرأ ان ينافس وحوش افريقيا واسياد القارة حاملين لقب الامم ثلاث مرات متوالية
اما انا
فلا اعرف لى وطن
رغم انتظارى له طوال عمرى ليأتى ولكنه اتى فى زيارة خاطفة لمدة عشرين يوما ثم ذهب
ليحل محلة التناحر والاختلاف والانقضاض على الاخر فور علمك باختلافه معك
انا لا اعرف الا وطن تخلى عنى فى مرضى ووحدتى وشدتى ويتمى
انا اعرف وطنا واحدا
ذلك البغيض الذى كتب اسمه فى جواز سفرى ومنعنى من البحث عن وطن غيره اعيش فيه بالفعل ويعيش فىّ فعلا
لا قولا
وطنى الوضيع صنف عالما ثالثا يأخذ جواز مرور صاحبه رفضا لاى مكان فيه حياة وحرية
اما المسموح فهو الجواز للمرور الى اراضى الكبت والجهل فقط
اراض فيها اناس ترى وطنى عالما متحضرا لمجرد انك باق على قيد الحياة ولم تمت جوعا
اوطانا تتشرف باعطائك جنسيتها لانك تعرف معنى الموت كمدا ولا تعرف كيف الموت جوعا
اما من يعيشون ولا يتنفسون الهواء المسبق استعماله فهم لا يرونك من بنى جنسهم بالاساس
انت ورقة فى ريح عاصفة فى وطنك
وانا ابحث عن وطن جديد اعيش فيه واترك وطنى يعيش داخلى
علّ ذاكرتى تقتصر على العشرين يوما الذى حضر فيهم وطنى وتتناسى سنوات العجاف التى عشت فيها بلا وطن
وطنى
اطلق سراحى علّى احمل اليك مشاعر انسانية راقية خلاف السخط والندم والاشمئزاز والرفض
اطلقنى فى اوطان اخرى على اعرف لك قيمة لا اعرفها الان
حررنى منك على امل ان تتحرر بداخلى واراك كما يحب ان يرى المرء وطنه
ابحث عن مشاعر انسانية محبة لاكنها لك فلم اجد الا الاشتياق
وطنى
حررنى علّى اشتاق اليك
No comments:
Post a Comment