Saturday, October 6, 2007


عندما ننفخ فى كل القرب المقطوعة

كلاكيت 19 مرة

استيقظ مبكرا على صوت التلفاز
:وصوت نبيل الحلفاوى يدوى فى اذنى
"احسن وحوش..احسن وحوش"

بالطبع هو الطريق الى ايلات الذى استغرق من عمرى مرات ومرات فى مشاهدته طيلة عرضه فى التليفزيون
لا استطيع مشاهدته سوى فى مناسبات محددة
ربما عيد تحرير سيناء و6 اكتوبر وعيد العمال
لا لا عفوا....... عيد العمال اشاهد فيه الايدى الناعمة لارى محمود ذو الفقار وهو يتحدث عن حتى
واضح من هذه التصنيفات السينيمائية للمناسبات القومية اننى احب التخصصات !

ولكن السؤال الذى ظل يراودنى هنا:
هل كل ما يربطنى باكتوبر ومناسبته المجيدة هو الطريق الى ايلات والرصاصة لا تزال فى جيبى ؟
لا اعلم تماما ما كل هذا الغضب والحزن الذى يتملكنى وانا اكتب عن اكتوبر
فهى المرة الاولى التى اكتب فيها عن اكتوبر
لا لا
تعودت تحرى الصدق فى كتاباتى
ليست المرة الاولى
تذكرت الان
ففى كل عام يطلب منا معلم اللغة العربية ان نكتب موضوع انشاء عن نصر اكتوبر العظيم
وكنت امسك كراستى وقلمى واكتب اكليشيهات لا معنى لها ولا فائدة سوى ان تلك الحصة على حد تعبيرنا وقتها"حصة فاضية"
كنت مشهورة بين اساتذتى وزميلاتى اننى الافضل فى اللغة العربية والتعبير
وكم شهادات التقدير والمكافآت التى تلقيتها فى هذا المجال تشهد على هذه الشهرة التى وصلت لشهادة تقدير من جامعة الدول العربية فى مسابقة الخطابة والتحدث بالفصحى والتى عقدت على مستوى الوطن العربى
ولكنى الان
اكتب ما يعبر عنى لاقرأه أنا
وليس ليقرأه حكم المسابقة
اعترف
كنت اكتب مهاترات لم اقتنع بها يوما
كانت الصفات التى اصف بها جيشنا وشعبنا وقيادتنا من نسج خيالى
لم يكن عقلى مقتنعا
ليس لانها ليست حقيقية بل ببساطة لاننى لم اتلق برهانا واحدا او دليلا قاطعا على صدق ما اكتبه
لم اعاصر اكتوبر
لم اعاصر سوى تبعات اكتوبر
ايها السادة والسيدات اهيب بكم علما اننى لم اعاصر سوى نتائج كامب ديفد
ولم اشهد سوى السلام
جيلى يا حضرات المحترمين توقفت حدود رؤيته عند التطبيع
واتفاقيات تصدير الغاز ذات السعر الثابت
وصفقات الحديد المستخدم فى بناء الجادر العازل
والموقف المصرى الداعم للقضية الفلسطينية دائما
فهو فى كل انتفاضة
يشجب
ويندد
ويساند
ويدين
أما اكتوبر
نصر اكتوبر
حرب اكتوبر
فانا انتمى لجيل لا يربطه باكتوبر سوى صوت عبد الحليم مرددا "خلى السلاح صاحى"
جيل لا يعرف عن حب الوطن سوى شادية حينما تقول "يا حبيبتى يا مصر"
وربما فيلم مافيا تلك التجربة الفاشلة التى حاولت اقناع جيل باكمله ان هناك شىء ما يسمى انتماء قوى يستحق التضحية بالعمر ولكن لم تنتبه الفئة العمرية التى شاهدت الفيلم سوى لوسامة السقا وجمال منى وخفة دم احمد رزق
للاسف
نحن جيل مخلخل
كل احلامنا فى الخارج
كل طموحاتنا لا تتحقق الا بعد هبوطنا من الطائرة فى بلد اخر
اى بلد
حتى وان كان بلدا يحمل بين جنباته ظلما وقهرا وعنصرية اكبر واكثر
ولكنه فى نظرى جيلى الافضل
لانه ببساطة ليس مصر!
وها نحن نعيش ممزقين بين لغات وحضارات عديدة
اجيد الانجليزية والفرنسية واتطلع لتعلم الايطالية وانهائها فى وقت قياسى
كاتبى المفضل هو شكسبير وتشارلز ديكنز الانجليزى
يبهرنى بيل جيتس بعبقريته وهو الامريكى
اتحرق شوقا لزيارة اسبانيا فانا مبهورة بها وبحضارتها ذات الجذور العربية الاندلسية
تجذبنى اعمال جورج كلونى وراسل كرو وجوليا روبرتس وتوم هانكس وغيرهم
كم احب كلمات فرانك سيناترا والحانه حينما احن الى الكلاسيكيات
وان اردت سماع شيئا عربيا فلا اسمع سوى فيروز
نعم
فليس كاتبى المفضل احسان عبد القدوس او نجيب محفوظ
ولا يبهرنى ثراء ساويرس او عز
ولا اتحرق شوقا لزيارة اثار الفراعنة ولست مبهورة بهم
ولا يجذبنى عادل امام او نور الشريف او اى من هؤلاء
ولا احب كلمات ام كلثوم ولا الحانها
ولا اى شىء مصرى!
لقد اكتشفت اننى لا يربطنى بهذا البلد سوى بطاقتى
مكتوب بها فى خانة الجنسية:مصرية
وكنت اود لو اننى اضفت اليها كلمة واحدة
للاسف
لتصبح مصرية للاسف
ما الذى ادخلنى كل هذه المحاور واسلكنى كل تلك الدروب المظلمة؟
ولكن هل بالفعل جيل العولمة والانفتاح الحضارى سعيد بهويته اللا معروفة؟
هل انا سعيدة بهويتى التى لا اعرف لها اسما؟
ليس الظلم والفساد والمحسوبية والتخلف والجهل والديكتاتورية فقط الذين جعلوا من جيلى فاقدا لهويته ولانتماءه
بل انه انعدام الرؤية وفقدان الهدف لدينا
فلم تتم تربيتنا على تحديد كل شىء وتخطيطه قبل التورط فيه
بل اننا نأكل والسلام
وندرس والسلام
ونتزوج والسلام
ونعمل والسلام
وفى النهاية
نموت والسلام
لن يتذكرنا احد
ولن يكن لوجودنا تأثير كما لم يكن له اى هدف
ففقدان الهوية يتبعه فقدان للذكرى
وغياب الحلم بالتبيعة يتلوه غياب للتأثير
ربما نحب تلك الافلام التى تتحدث عن ايام العزة والكرامة لنأخذ جرعة ثقة بالنفس
اننا ننتمى لبلد على الاقل كان لاجدادنا فيه عز واباء وكبرياء
ايها الاخوة والاخوات
يشرفنى ان اخطركم علما اننى أنا التى سجلت تلك الاعترافات تعترف بشىء أهم من كل ما سبق
اعترف اننى انتمى لجيل "وانا مالى"
نعم
فهو جيل تربى على الانانية والغرور
مزق حلمه الكبير والذى كان يحمله اباؤنا واجدادنا معا جنبا الى جنب
مزقوا ذلك الحلم المشترك والهدف المشترك واعطوا كل منا نصيبه
فاصبح نصيب الولد شقة وعربية ولاب توب وموبايل وعروسة وواسطة يستطيع من خلالها ايجاد عمل
واصبح نصيب البنت من الحلم هو كل ما سبق باستئناء العروسة
وكل مسئول عن حلمه
وان كان تحقيقه يحتاج منك الى قتل اخيك فلا تتردد
حقق حلمك
فأنت بلا انتماء
ولا وفاء
ولا وطنية
ولا تحمل تقديرا لاى شىء سوى نفسك

هذه هى حكاية جيلى منذ ان ولد الى ان يموت
يعيش لنفسه ويموت لنفسه
يعيش نكرة ويموت نكرة
يعيش بلا هوية
ويموت بلا رحمة